الملتقى السادس لخريجي الأزهر: وحدة الحكام والمحكومين من أهم الدعائم التي تعيد للأمة ريادتها وحضارتها
الأحد 03 ربيع الأول 1432 ـ الموافق 06 فبراير 2011
كتبت :- منى ثابت
الملتقى السادس لخريجي الأزهر: وحدة الحكام والمحكومين من أهم الدعائم التي تعيد للأمة ريادتها وحضارتها
أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن الفرقة والخلاف والتنازع الداخلي هو أخطر داء تتعرض له الأمة الإسلامية، بل إنه داء خبيث يشكل نقطة ضعف نفذ من خلاله المستعمرون في القرنين الماضيين، وما زالت مقولة " فرق تسد " هي الرهان الأول لدى أعداء الإسلام في كل زمان.
وقال في كلمته التي ألقاها في اللقاء التحضيري للملتقى السادس للرابطة العالمية لخريجي الأزهر الذي عقد بالقاهرة 25 يناير2011 وحضره لفيف من علماء العالم الإسلامي إن الأزهر يسعى من خلال هذا الملتقى لاستكمال مسيرته للنهوض بالأمة ولم شملها الممزق من خلال طرح قضية الاختلاف بين مدارس أهل السنة المختلفة الثلاث " الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث "، كما يحرص الأزهر على الحفاظ على وحدة المسلمين وتحقيق السلام الوطني والإقليمي أولاً ، وصولا إلى السلام العالمي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحمَّل الإمام الأكبرالخطاب الدعوي مسؤولية تمزق الأمة وتشتتها بعد محاولات العبث بفقه الأئمة الأربعة وتشويه أمهات الكتب التراثية، وأصبح الشباب بأسهم بينهم شديد، وقدَّموا الأمور الهامشية والسطحية على القضايا المهمة والخطيرة، وتلاشت لديهم ـ أو كادت ـ الفروق بين الأحكام الشرعية الخمس، حتى صرفتنا معركة النقاب عن قضية العراق والسودان.
كما حذَّر من الجرأة على التكفير والتفسيق بين أهل القبلة الواحدة، وقال إن هذه ظاهرة خطيرة يجب أن نتوقف أمامها طويلا لأنها إذا تُركت ولم تواجه بالفكر الصحيح فإنها كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي بأسره.
وأكَّد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أن الإنسان خلق مجبولاً على العيش مع الجماعة بعيدًا عن الفردية والانعزال لما تقتضيه الطبيعة البشرية من العيش الجماعي المترابط، وبمرور الزمن أصبحت الحاجة ملحة إلى مفهوم جديد وهو الوحدة كي لا يكون المنُعزل فريسة لغيره من الأمم والشعوب المتحدة التي تبنى نفسها وتاريخها وتراثها على حساب غيرها من الأمم. والأمة الإسلامية من بين هذه الأمم التي شعرت بهذه الحاجة الملحة حيث إن الوحدة من صميم دستورها الذي قرره الله عز وجل في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}آل عمران: 103، {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل عمران: 105{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}الأنعام: 159، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}الأنبياء: 92، { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} المؤمنون: 52.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" ، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة".
وأضاف القرضاوي أن من أهم المشاكل والعقبات التي تواجه الوحدة الإسلامية النعرات القومية، وهي التعصب القومي والعنصري الذي يفتقد القيم الإنسانية والتربوية ولذلك يعيش الأفراد في مستوى منحدر من التصورات والأفكار والقيم حيث تصبح اللغة واللون والنسب هي معايير التفاضل، وتتنحى القيم الأصيلة التي وضعها لنا القرآن والسنة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، "لا فضل لعجمي على عربي إلا بالتقوى"، ثم النعرات الطائفية، والذي يعود الجانب الأكبر منها إلى جهل المسلمين الذي يجعل منهم وقودًا للنزاعات الطائفية وأداة بيد المغرضين فيثيرون المعارك والاشتباكات التي لا طائل من ورائها، وأخيرًا .. الحكومات المهزومة، وهم طائفة الحكام الضعفاء في عالمنا الإسلامي الذين خلفوا الغزاة في تنفيذ مخطط التبعية وقاموا بقمع كل حركة تحررية وفرطوا في ثروات الأمة المادية والمعنوية، ورغم تراجع هذه الحكومات أمام هؤلاء الغزاة فإنها تقف من شعوبها موقف الظلم والعدوان، وبذلك ينفصل الحاكم عن شعبه ويحرم المجتمع من أحد أهم دعائم الوحدة وهي وحدة الحكام والمحكومين.
واختتم القرضاوي محذراً من الفرقة: إذا كانت الأمة يجوز لها الاختلاف في أي عصر من عصورها فلا يجوز لها الاختلاف في هذا العصر.
وقال الدكتور محمد عمارة إن الفترة التي مرت بها التجربة الإسلامية خلال البعثة النبوية والخلفاء الراشدين سجلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحد في الأفكار والعواطف والأهداف، فقد انطلق الإسلام من أرض تسودها ألوان الصراع القبلي والعنصري والطبقي وما إن انتصرت كلمة الإسلام حتى خلق مجتمعًا رافضًا لكل تمييز عنصري أو طبقي أو قبلي وساد الإخاء بين أفراده، وتآخى فيه المهاجرون مع الأنصار وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية وانتهي عهد الرق والاستغلال الجاهلي وغُلت أيادي المتسلطين وانصهرت القوميات المختلفة في بوتقة الإسلام، واجتمع بلال الحبشي مع صهيب الرومي مع سلمان الفارسي وإخوانهم من القرشيين .
وأكد أن العقيدة السليمة التي تخالط بشاشتها القلوب وتنقي طهارتها العقول وتهيمن على سائر المنطلقات للأفراد والجماعات وتدين الأمة بها وتتفاعل معها فتكون على الحق المبين في كل ما تأخذ وتدع وتفجر طاقات أبنائها في العطاء والإبداع والعمران هي السبيل الحقيقي لتحقيق الوحدة الإسلامية.
وأكد الدكتور سلمان العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم السعودية، أن الاختلاف في حد ذاته ليس هو المشكلة، ولكن غياب فقه الاختلاف هو المشكلة الحقيقية ، لذا فلابد من التركيز على هذا الفقه ومعرفة آدابه.
ودعا الدكتور سليم العوا إلى أن تناقش ملتقيات الأزهر المقبلة الأفكار بين الصوفية والسلفية، وبين السنة والشيعة، وأن نركز على مواطن الاتفاق ولا نتمسك بمواطن الخلاف.
وقال إن العالم اليوم يعيش عصر الكيانات الكبيرة ممثلاً في دول كبرى وتكتلات اقتصادية وسياسية ضخمة ابتداء من أمريكا الشمالية حيث تكتل (النافتا) وأوربا حيث (الاتحاد الأوربي) وتكتل جنوب شرق آسيا (الآسيان) وأفريقيا أصبح لها منظمة اقتصادية تجمع دول غرب أفريقيا (الإيكواس).
وفي وسط هذا الإطار المحيط بالعالم من الكيانات الكبيرة يوجد المسلمون متنازعين ومنقسمين، ولعل من غرائب الظروف أن تعقد اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في مارس 1957م وهما الشهر والعام نفسهما اللذان عقدت فيهما معاهدة روما بين ست دول أوربية فقامت على أساسها السوق الأوربية المشتركة التي توَّجها قيام الاتحاد الأوربي في 1/1/1993م أي بعد 36 سنة من عقد المعاهدة في حين تعثرت وفشلت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في أن تتواجد على أرض الواقع.
وأضاف العوا : لقد أصبح ضروريًا الآن تفعيل المؤسسات الإسلامية الكبرى مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية وإحياء جامعة الشعوب الإسلامية.
وقال الدكتورعصام البشير: لقد أثبتت السنوات الماضية أن عدو الأمة الإسلامية يستهدف تفتيت المنطقة وتكريس حالة التجزئة للدول العربية والإسلامية وتعميقها لتتحول إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، وذلك باستغلال مشاكل الأقليات المنتشرة في العالم الإسلامي والتي تدعو إلى الانفصال والاستقلال ولعل أكبر دليل على ذلك هو ما يحدث في السودان الآن حيث أحكمت القوى الدولية الحبل حول رقبة السودان ولم يبق لها إلا أن تجذب الحبل حتى يختنق السودان وينفرط نظام عقده لتبدأ مرحلة اقتسام الغنائم بين تلك القوى.
وناشد البشير المؤتمر، أن ينجح في لم الشمل وإيقاظ وعي الأمة في تحويل التحديات إلى إمكانات نحقق من خلالها الانجازات وتستعيد الأمة ريادتها وحضارتها التي سبقت أعرق الحضارات على مر الزمان.
Share |