قدرة الإبل المعجِزة على تحمل العطش
السبت 17 صفر 1432 ـ الموافق 22 يناير 2011
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ}
بقلم الدكتور:- محمد سيف *
إنها دعوة من الخلاق العليم لعبادة النظر والتفكر في تلك المخلوقات البديعة, وتنبيه بالتمعن في كيفية خلقها وتصويرها, فسبحان الخالق المصوِّر لها لتكون مستودعاً للأسرار، ومكنوناً للعجائب.
فمن بديع خلق الله لهذا الكائن العظيم, قدرته الفائقة على تحمل العطش، فلا يكاد يُذكر الجمل إلا وتخطر بالبال صفتا المعاناة والصبر اللتان يتحلى بهما, فهو قادر على العيش والعطاء لمدة أسبوعين كاملين في خضم الظروف القاسية للصحراء, بلا ماء ولا طعام في بيئة درجة حرارتها 50 درجة مئوية, فأنى لهذا المخلوق هذه القدرة على ذلك التحمل الكبير.. ؟!!.
يُرجِع العلم الحديث هذه القدرة إلى عدة أسباب منها قدرة الإبل على تنظيم درجة حرارة الجسم وقدرة الجسم على حفظ الماء وخفض الفاقد منه ثم قدرة الإبل على استخلاص الماء من دهون الجسم إضافة إلى القدرة على تحمل فقد الماء من الجسم كذلك القدرة على شرب الماء المالح.
فقد وجد العلماء والباحثين أن جهاز تنظيم حرارة الجسم لهذا المخلوق يستطيع أن يتحكم في تفاوت حرارة الجسم بما يعادل 7 درجات كاملة دون ضرر ( أي بين 34 و 41 مْ ) وهذه الآلية تفيد في اقتصاد كمية لا بأس بها من الماء المستخدم في تنظيم درجة حرارة الجسم, كما تبين أن الإبل لها قدرة على خفض عمليات الأيض (Metabolism) وبالتالي تقليل استهلاك الأوكسجين مما يؤدي إلى قلة إنتاج الحرارة الداخلية وهذا معناه الاقتصاد في استهلاك الماء للفعاليات الحيوية, وأوضح العلم الحديث أن الوبر الذي وهبه الله للإبل يساهم في حماية الجسم من الحرارة حيث يُعتبر عازلاً حرارياً, إضافة إلى أنه لا يتبلل عند التعرق أي أن العرق لا يتبخر من سطح الوبر وإنما من سطح الجلد وهذا يجعل لعملية التعرق ميزة تبريد قوية في الإبل.
كما وجد أن هذا الحيوان العجيب له قدرة عظيمة على الاحتفاظ بالماء في جسمه بصور مختلفة منها أن الجمل لا يلهث أبداً ولا يتنفس من فمه مهما اشتد الحر أو استبدَّ به العطش وهو بذلك يتجنب تبخر الماء من الفم, كما أنه لا يفرز إلا مقداراً ضئيلاً من العرق عند الضرورة القصوى, كما أن القولون عنده يقوم بامتصاص واسع للماء مما يساهم في تقليل فقدان الماء مع الفضلات بحيث تكون الفضلات شبه جافة, وللكلية في الإبل استعداد خاص في تركيز البول وخفض نسبة الماء فيه أو قد يصل الأمر بها إلى حد الامتناع عن إفراز البول إذا استمر العطش.
وللإبل القدرة على حبس كميات كبيرة من اليوريا وسكر الجلوكوز في دمها بنسبة عالية عن المعتاد وذلك في حالة العطش الشديد, حيث إن إفراز هذه المواد في البول يتطلب فقدان كمية كبيرة من الماء, كما أن هذه المواد تعتبر مواد صائدة للماء مما يساعد في الإبقاء عليه في الدم ومن ثم الحفاظ على حجم مائية بلازما الدم, كما لوحظ أن ارتفاع السكر في الدم لا يصيب الإبل بصدمة مميتة ( غيبوبة السكر ) كما في غيرها من الحيوانات, كذلك الحال لوحظ قدرة الإبل على تحمل ارتفاع نسبة اليوريا في الدم, والتي قد تودي بحياة الإنسان أو حيوانات أخرى حال ارتفاع نسبتها بالدم.
وتتمتع الإبل بقدرتها على استخلاص الماء والطاقة من الشحوم المخزونة بالجسم في السنام, ومن المعروف علمياً أن الإنسان إذا صام أكثر من يوم يحدث في جسمه تحلل للدهون فيترتب على ذلك حدوث حموضة في الدم, يدخل الإنسان بعدها في غيبوبة إذا طالت فترة الامتناع عن الطعام, وكذا الحال في الحيوانات الأخرى حيث تمرض بمرض يُدعى الكيتوزيس (Ketosis) نتيجة تحلل الدهون بكثرة, أما الإبل فلا تحدث لها مشكلة أبداً إذا تحول الدهن كله إلى ماء وطاقة.
وللإبل قدرة على فقد حوالي 25 % من سوائل الجسم إذا حرمت من الماء دون أن تنفق ( تموت) بينما باقي الحيوانات تموت عند فقد 12% من وزنها من السوائل, ومن بديع صنع الله في الإبل أن كريات الدم الحمراء بيضاوية الشكل تستطيع أن تقاوم نقص الماء الشديد في الدم وفي الوقت نفسه تملك جداراً مرناً يقاوم الانفجار عندما تمتلئ كريات الدم بالماء وتتورم وتصبح مكورة ( بعد شرب الإبل للماء) عند الارتواء السريع للحيوان في حالة العطش الشديد, أما في باقي الحيوانات فإن كرات الدم تنفجر بأعداد هائلة ويموت الحيوان بالصدمة الدموية نظراً لحدوث أنيميا حادة في حالة الشرب الكثير عند العطش الشديد.
والغريب في عالم الإبل قدرتها على شرب الماء المالح حيث وهب الله للإبل كلية قادرة على استخلاص الأملاح من الدم مهما كان تركيزها وإخراجها من الجسم مع البول, في صورة يندر أن تجدها في حيوان بري آخر.
ومما هو معلوم أن العطش يسبب انخفاضاً في إنتاج الحليب في الحيوانات الثديية بصفة عامة أما في الإبل فإن كمية الحليب لا تتأثر كثيراً بسبب العطش وقلة ماء الشرب بل بالعكس تزداد نسبة الماء في الحليب لتصل إلى 90 %, وذلك حماية للرضيع من الجفاف في الأجواء القاسية.
وصدق حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه: "مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا "
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللّقَطَةِ؟ فَقَالَ: "اعْرِف ْعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمّ عَرّفْهَا سَنَةً، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإلاّ فَشَأْنَكَ بِهَا". قَالَ: فَضَالّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذّئْبِ". قَالَ: فَضَالّةُ الإبل؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشّجَرَ، حَتّىَ يَلْقَاهَا رَبّهَا". رواه مسلم, وقوله صلى الله عليه وسلم: "معها سقاؤها" فمعناه أنها تقوى على ورود المياه وتشرب في اليوم الواحد وتملأ كرشها بحيث يكفيها الأيام، وأما حذاؤها وهو أخفافها لأنها تقوى بها على السير وقطع المفاوز.
فسبحان الله القائل: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت