موضوع الثلاثاء..مقومات النصر في ظلال الهجرة (2)
بقلم: د. محيي حامد
7- الإعداد والتخطيط
إن التخطيط جزءٌ من السنة النبوية واتخاذ الأسباب أمر ضروري وواجب، ولقد أعد النبي- صلى الله عليه وسلم- للهجرة واتخذ من الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى نجاحها، فبعد أن اتخذت قريش قرارَها بقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- أذِن الله لنبيه بالخروج وحدد له وقت الهجرة، بعد ذلك ذهب النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر- رضي الله عنه- وأعد معه مراحل وخطوات الهجرة.
ولما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلم أن قريشًا ستجدُّ في الطلب سلك النبي- صلى الله عليه وسلم- الطريق الذي لا يخطر ببالهم جنوب مكة، رغم وعورة الطريق وصعوبة السير فيه، ومن هذا نستخلص أهمية التخطيط والإعداد والترتيب الجيد لكل أعمالنا، مع بذل كل الجهد وتحمل المشاق في سبيل الوصول إلى أهدافنا القريبة والبعيدة.
8- التنظيم الدقيق والتوظيف الأمثل
لقد حرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على التنظيم الدقيق للهجرة، رغم ما كان فيها من صعاب، فنجد حرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على الانتقاء الجيد والتوظيف الأمثل لكل مَن عاونه في أمر الهجرة، علي بن أبي طالب ينام في فراش الرسول، وأبو بكر رفيق الطريق والصحبة، وعبد الله بن أبي بكر يأتي بالأخبار، وأسماء ذات النطاقين تحمل المؤن والزاد، وعامر بن فهيرة يبدد آثار الأقدام، وعبد الله بن أريقط دليل الهجرة البصير.
لقد استطاع النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يوظِّف كلَّ فرد في العمل المناسب له، والذي يجيد القيام به على أحسن وجه، كما كان للشيخ والشاب والمرأة والغلام والخادم دور محدد؛ مما جعل من هؤلاء الأفراد وحدة متعاونة لتحقيق الهدف الكبير، وكلٌّ ميسَّر لما خلق له.
ومن هنا نتعلم أهمية معرفة الكفاءات والقدرات، وكيفية توظيفها لخدمة الإسلام بشكل متناسق ومتكامل؛ مما يجعل لجميع الشرائح الاجتماعية دورًا محددًا في بناء الأمة والنهوض بها.
9- الحب والأخوة الصادقة
وتتجلى معاني الحب العميق من خلال مواقف أبي بكر الصديق مع الرسول الأمين أثناء الهجرة في خوفه وإشفاقه على حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- وحرصه على إلا يُصاب النبي بأذى، ولما انتهَيا إلى الغار قال أبو بكر- رضى الله عنه- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: "والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك"، وكذلك تظهر مشاعر الحب الصادق والفرحة الغامرة عند استقبال أهل يثرب من المهاجرين والأنصار للنبي- صلى الله عليه وسلم- بعد وصوله إليهم سالمًا.
كما تظهر معاني الأخوَّة الصادقة بين المهاجرين والأنصار؛ حيث التقت تلك القلوب والأرواح على رباط العقيدة والحب في الله، فنرى نماذج فريدة من إيثار الأنصار وعفة المهاجرين ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 9)، ولقد كانت للعقيدة الصحيحة السليمة أثرٌ كبيرٌ في تحقيق التآلف والترابط بين القلوب والأرواح كما ظهر هذا جليًّا في الجمع بين الأوس والخزرج بعد طول ثأر ومعارك بينهما ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 63).
وهذا يتطلَّب منا أن نعمل على تقوية صلة الحب والأخوة الصادقة فيما بيننا، فهي أساس لقوة المسلمين ووحدتهم.
10-الأمانة والوفاء
وهكذا تظهر متانة الخلق عند الشدائد، ويتجلى خلق الأمانة في أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- لعلي- رضي الله عنه- بتأدية الأمانات لأصحابها في مكة، على الرغم من الإيذاء والظروف القاسية التي تعرض لها النبي- صلى الله عليه وسلم.
لقد كان درسًا بليغًا في أداء الحقوق والأمانات حتى ولو كان الإنسان في أصعب الظروف، كما يتجلى خلُق الوفاء والحب للوطن فيما عبَّر عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله عن مكة: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت"، ورغم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج منها مهاجرًا بعد سلسة من الاضطهاد والعناد من قريش إلا أنَّه ظل وفيًّا ومحبًا لها.
لعلنا نستفيد من هذه المواقف، ونتعلم كيف يكون الدعاة والمصلحون أوفياءَ لربهم ودينهم ودعوتهم، كما هم أمناء لشعوبهم وأوطانهم وأمتهم.
إنَّ مقومات النصر التي نلتمسها في ظلال ذكرى هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام جدير بنا أن نعمل على ترسيخها في نفوسنا ونفوس أبناء أمتنا؛ حتى نكون بإذن الله وفضله من الذين صدق فيهم قول الله تعالى: ﴿والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَارِ والَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ (التوبة: 100).