السلام عليكم
الهـجــرة والتخـطـيـط
بقلم: ماهر محمد مليجى أبو عامر
كان هناك عاملان في إحدى شركات البناء، أرسلتهما الشركة التي يعملان لحسابها من أجل إصلاح سطح إحدى البنايات، وعندما وصل العاملان إلى المصعد وإذا بلافتة مكتوب عليها (المصعد مُعطل) تصدمهما، فتوقفا هنيهة يفكرن في ماذا يفعلان، لكنهما حسما أمرهما سريعاً بالصعود على الدرج بالرغم من أن البناية بها أربعون دوراً، سيصعدان مهما يحملان المعدات لهذا الارتفاع الشاهق، لكنها الحماسة.. فليكن.
وبعد جهد مضن، وعرق غزير، وجلسات استراحة كبيرة.. وصلا أخيراً إلى غايتهما.
هنا التفت أحدهما إلى الآخر وقال: لدي خبران أود الإفصاح لك بهما، أحدهما سار والآخر غير سار!!!.
فقال صديقه: إذن فلنبدأ بالسار.
فقال له صاحبه: أبشر لقد وصلنا إلى سطح البناية أخيراً.
فقال له صاحبه بعدما تنهَّد بارتياح: رائع لقد نجحنا، إذن وما الخبر السيئ.
فقال صاحبه في غيظ: هذه ليست البناية المقصودة!!.
* ما المغزى من هذه القصة:
للأسف الشديد أحبتي... هناك مَن يمضي في الحياة، كهذين العاملين، يجد ويتعب ويعرق، ثم في نهاية المطاف، لا يجد أثراً ولا ثمرة لهذا السعي وهذا الجهد.
ويصدق فيه قول الله عز وجل: " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً " [الكهف: 104].
لماذا؟؟
لأنه لم يخطط جيداً قبل أن يخطو، ولم يضع لنفسه برنامجاً دقيقاً يجيب على السؤال الهام:
ماذا أريد بالتحديد... وكيف أفعل ما أريد؟
هذه القصة تضعنا أمام سؤالين هما:
- هل لديك هدف في الحياة تود تحقيقه؟
- هل تعرف إلى أين أنت ذاهب؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكي نتعلم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، أسوق إليكم ألمع نموذج للتخطيط في التاريخ الإنساني:
خطة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة:
• بعد أن نجح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة – بعد بيعة العقبة الثانية وهجرة المسلمين إلى المدينة- وهو أخطر كسب حصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية دعوته، أذِن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى الوطن ( المدينة).
ولم يكن معنى الهجرة إلا إهدار المصالح، والتضحية بالأموال والنجاة بالشخص فحسب، وبدأ المسلمون يهاجرون وهم يعرفون ذلك، وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم لما كانوا يحسون من الخطر.
• ولما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهَّزوا وخرجوا، أخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل، وقد تجسَّد أمامهم الخطر الحقيقي العظيم، الذي يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي، فصاروا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر، الذي مبعثه الوحيد هو حامل لواء الدعوة – محمد- صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• وفي يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من البعثة الموافق 12من شهر سبتمبر 622م وفي النهار، عقد المشركون أخطر اجتماع توافد إليه جميع نواب الشر من قريش، ليدرسوا خطة حاسمة تكفل القضاء السريع على حامل لواء الدعوة صلى الله عليه وسلم، واجتمعت كلمتهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم بمباركة الشيخ النجدي ( الشيطان)، واجتمع الكفر بحقده وترسانته البشرية والعسكرية الغاشمة أمام دار الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو أعزل لا سلاح ولا أتباع, يريدون أن يضربوه ضربة رجل واحد للقضاء عليه، فمستقبلهم وحياتهم مرتبط بحياته أو موته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عناية السماء:
ينزل جبريل إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم بالأمر، يا محمد لا تنم في الفراش، وحدَّد له الوجهة.
وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه ليضع معه خطة الهجرة، وكانت كالآتي:
1- مبيت علي رضي الله عنه في فراشه:
وذلك للتعمية.
2- الخروج في النهار:
حيث تكون ساعة قيلولة، وقلما يُوجد إنسان بشوارع مكة.
3- الخروج من الكوة الخلفية من البيت:
حيث البُعْد عن أعين الناس الناظرين.
4- الاتجاه إلى غار في طريق غير طريق المدينة:
وذلك في جنوب مكة حيث جبل ثور،وهو جبل شامخ وعر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كبيرة، يبعد حوالي خمسة كيلو مترات جنوب مكة... وهناك في جبل ثور عديد من الغيران، مما يجعل من الصعب البحث في كل غار، وهو أشبه بكهف منحوت من الصخر، وله فتحة صغيرة أمامية، وأخرى خلفية ولا يدخله إلا زاحف أو منحن، وله سقف هلالي يمنع دخول الشمس فيه، حيث إن الماشي جوار الغار لا يرى مَن فيه إلا إذا انحنى ووضع رأسه مكان قدمه.
5- توصيل الأخبار والمعلومات:
وكمن الرسول وصاحبه في الغار ثلاث ليال، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت معهما، ويصبح مع قريش، فلا يسمع أمراً إلا وعاه حتى يأتيهما بخبره.
6- تأمين الزاد:
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام إذا أمست، وكانت حاملاً في شهورها الأخيرة.
7- إخفاء الأثر:
وكان عامر بن فهيرة – مولى أبي بكر – يرعى غنما له في السهل حول الغار نهارا، ثم يمر عليهما ليقتاتوا من لبنها، ثم يعود من نفس طريق عبد الله وأسماء فتزيل الغنم آثار أقدامهما على الرمال.
8- الاستفادة من خبرة المشركين عند الثقة في أحدهم:
واستأجروا عبد الله بن أريقط – وكان مشركا ليدلهما على الطريق فأعطياه راحلتيهما يرعاهما- قال ابن حجر في الإصابة: ومات ولم يسلم.
9- التمويه ومخالفة توقعات العدو:
وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات البحث والتفتيش، تهيأ الرسول صلى الله عليه وسلم للخروج. وأمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن( الطريق العكسي) ثم اتجه غربا نحو الساحل ( ساحل البحر الأحمر) حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس اتجه شمالا على مقربة من شاطئ البحر.
10- قمة الثقة بالله مع قمة التخطيط البشري:
ومع كل هذا التخطيط إذا بالمشركين يقفون عند باب الغار، ولكن الرد على الصدِّيق يعلن عن هذه الثقة " ما ظنك باثنين الله ثالثهما "... إنه حين ينتهي الجهد البشري المطلوب، فالله تعالى أرحم بنبيه وبصاحبه.
" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "[التوبة: 40].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرأيتم كيف تكون الخِطط؟! وكيف يكون التنفيذ؟!
مما سبق يتضح لنا كيف يكون التخطيط، وأهمية وضع الأهداف.
و من المهم أن يكون لدينا العزيمة والإرادة لتحقيق هذه الأهداف.
* فهل نعي الدرس، ونخطط لحياتنا ودعوتنا ؟!!.