موضوع الثلاثاء...الشورى .. ديمقراطية الدولة الحضارية (1)
بقلم: د. رفيق حبيب
يرى البعض أن الديمقراطية لا تصلح في الدولة الإسلامية، والبعض الآخر يرى أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون إسلامية؛ لأنها ليبرالية المنشأ والبناء، والبعض الآخر يرى أن الديمقراطية تصلح لتكون آلية حكم في الدولة الإسلامية.
وهذه الآراء تحتاج لوضع تعريف محدد لمصطلح الديمقراطية، والنظر في الآلية المناسبة للحكم في الدولة الحضارية الإسلامية، والديمقراطية قامت كنظام للحكم في الدولة القومية القطرية الغربية، واستندت إلى مقولة أن يكون الحكم للشعب، واعتبرت الديمقراطية بأنها قواعد ونظام للعمل السياسي، يهدف إلى تحقيق القيم الغربية السياسية، خاصةً القيم الليبرالية.
ومما لا شك فيه، أن النظام السياسي الغربي له قواعده الأساسية وآلياته في إدارة العملية السياسية؛ حتى يحقق غايات النظام السياسي لديه، والدولة الحضارية الإسلامية تختلف في الأسس مع الدولة القومية القطرية؛ حيث إنها تستند إلى القيم الحضارية والدينية وليس على العرق والقومية، كما أن الدولة الحضارية الإسلامية لها غاياتها المختلفة عن غايات الدولة الغربية؛ لأنها تعمل وفق قيم مختلفة عن القيم الغربية، وبهذا يصبح السؤال: هل يمكن تحقيق غايات الدولة الحضارية الإسلامية بنفس الأدوات المستخدمة في تحقيق غايات الدولة الغربية؟!
والبداية هي تحديد الأسس الضرورية لتحقيق الدولة الحضارية الإسلامية لغاياتها؛ حتى نعرف ما إذا كانت تناسب آليات العمل الديمقراطي أم لا، ثم البحث عن قواعد الشورى، والتي تمثل القاعدة الأساسية للدولة الحضارية الإسلامية؛ لمعرفة ما إذا كانت آليات الديمقراطية تحقق الشورى أم لا.
القيم الحاكمة
أهم ما يميز الدولة الحضارية الإسلامية أنها تستند إلى منظومة قيم حاكمة، وتلك القيم- والتي تمثل قواعد ومبادئ وأحكامًا- تمثِّل الإطار الحاكم للدولة والنظام السياسي، وهي أيضًا الإطار الحاكم للمجتمع والأمة، وبهذا المعنى يصبح لدينا إطارٌ حاكمٌ من القيم المطلقة الإلهية، والتي تحكم الأمة والدولة معًا.
في نفس الوقت، فإن الدولة الحضارية الإسلامية هي وكيلٌ عن الأمة، فالأمة توجد أولاً، ثم تقام الدولة التي تصبح وكيلاً عنها وخادمًا لها، والدولة الحضارية تستند للقيم الحاكمة؛ لأن الأمة أقامتها لتكون ملتزمةً بتلك القيم، وفرضت عليها أن تلتزم بها، ومعنى هذا أن الأمة هي صاحبة الولاية الأساسية، والتي بموجبها اختارت الأمة الالتزام بقيمها الحضارية والدينية، واختارت أن تقيم دولةً ترعى هذه القيم وتحققها، وبهذا تكون الدولة مكلفةً من قِبَل الأمة بتحقيق قيمها العليا، ومكلفةً بتحقيق غاياتها العليا، فلا يجوز للدولة والنظام السياسي الخروج عن عقد التوكيل الأساسي والذي حدَّد القيم والغايات التي يجب الالتزام بها.
سلطة القيم الدينية
تحقَّقت سلطة القيم الدينية في التاريخ الإسلامي عبر توافق الأمة على تحديد رؤيتها لتلك القيم وفهمها لها، وهنا أصبحت الولاية للأمة، ولم تستطع جهة انتزاع حق الحكم باسم الدين، أما علماء الدين فكانوا وما زالوا هم أصحاب الرأي العلمي الديني، والذي يعرض على الأمة، ويكتسب قوته إذا توافقت عليه الأمة، وتوافق العلماء عليه؛ حيث يصبح رأيًا سائدًا، وبهذا يكون قاعدةً ألزمت الأمة بها نفسها، والدولة الحضارية تحتاج إلى تأمين هذه القاعدة؛ أي قاعدة أن القيم الحاكمة للدولة لا تخضع لأي سلطة ولا تتحكم فيها أي جهة، فهي القيم التي أمنت بها الأمة، ولهذا تصبح الولاية الحقيقية للأمة وليس لأي سلطان ديني.
فلهذا نقول: إن القيم الحضارية والدينية التي تحكم الدولة الحضارية هي القيم التي آمنت بها الأمة، وبهذا تصبح هذه القيم ملزمةً للدولة، ويصبح التزام الدولة بهذه القيم خضوعًا من الدولة لولاية الأمة.